غالباً ما يلتجىء رواد الأعمال والشركات إلى منهجيات تقدمية لتعزيز نمو أعمالهم، ويتغاضون عن الفرص التي يقدّمها التراث كوسيلة للابتكار وتحقيق النمو.
تتميز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتنوعها وثراء تراثها وثقافتها عبر العصور، مما يقدم إمكانيات هائلة لبناء تجارب فريدة لسكان المنطقة. وبالتالي، يستطيع رواد الأعمال وأصحاب الشركات الإستفادة من الإرث التراثي هذا لتحقيق مكانة مرموقة عالميًا من خلال دمج جوانب ثقافية محلية ضمن استراتيجية الشركة.
التراث همزة وصل بين الماضي والمستقبل
التراث هو الرابط الذي يجمع بين الماضي والمستقبل، ويضع تحديات محددة أمام المجتمعات التي تنشأ على أساس تقاليدها وقيمها أثناء تطورها. وفيما يتعلق بالهيئات الحكومية، فهي تتطلب الحكومية فهمًا دقيقًا للعناصر الثقافية وخصائصها، ومن ثم وضع سياسات وتنفيذ مبادرات تعزز من هذه الجوانب وتساهم في بناء اقتصاد يستند إليها وينبض بالحياة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الشركات أن تدرك قيمة التراث وأن تصمم استراتيجيات نمو تستفيد من الفرص المتاحة. فقطاعات السياحة والضيافة والترفيه والأغذية والمشروبات، على سبيل المثال، تعتمد بشكل كبير على الجوانب الثقافية في تقديم خدماتها، مما يجعلها مؤهلة لتبني هذه الاستراتيجيات بشكل خاص، وخصوصًا لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي.
لتحقيق النمو داخل الشركة، يتعين تبني ثقافة تركز على التطور، ومن ثم وضع خطط عمل تهدف إلى تعزيز المهارات ورفع مستوى الأداء. وفي هذا السياق، يظهر دور الشركاء الاقتصاديين، مثل شركة “أسترولابز”، من خلال برامج مخصصة للتعامل مع التحديات التي تواجهها الشركات في مختلف القطاعات.
إن أدوات التمكين الاقتصادي التي تتقدمها “أسترولابز” توفر دعمًا قويًا من خلال عمليات بحث دقيقة،
مما يُسَاعِد في تحديد الفرص المُتَاحة وتزويد الشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال بأدوات فعَّالة للاستثمار فيها. ففي مجال السياحة مثلاً، أظهر برنامج “فايبز العُلا لتمكين المنشآت الصغيرة والمتوسطة في محافظة العُلا” تأثيرًا إيجابياً كبيراً، حيث فتح باب الفرص الذهبية أمام العديد من أصحاب الشركات الصغيرة في المحافظة. وهكذا، تمكنوا من تأسيس وتطوير شركاتهم وتعزيز مستويات النمو بما يتوافق مع رؤية العلا المحددة من قِبَل الهيئة الملكية للمحافظة.
تشهد المملكة العربية السعودية في الفترة الأخيرة ازديادًا في عدد الشركات الناشئة التي تأخذ المواقع التراثية المحلية كنقطة انطلاق. هذه المبادرات تستند إلى الروح الوطنية والرغبة في الابتكار وريادة الأعمال، ومع ذلك، تتباين منهجياتها تبعًا لاختلاف توجهات الشركات والمجتمعات المحلية.
يمكن لزوار محافظتي العُلا والدرعية التاريخيتين الاستمتاع بتجربة فريدة تأخذهم في رحلة إلى عالم الأنباط القدماء، حيث يمتزج التراث والثقافة بشكل رائع. تبرز محافظة العُلا تراثها الغني من خلال تسليط الضوء على تقاليدها التاريخية، في حين تعمل محافظة الدرعية على دمج معالم جاذبية عصرية لتكون جزءًا من التجربة. على سبيل المثال، يعزز كأس العُلا للهجن الجوانب التقليدية المميزة في المنطقة، مُسلطًا الضوء على تاريخ سباقات الهجن في شبه الجزيرة العربية. بالمقابل، يُقام مهرجان الدرعية الحضري الذي يستضيف بطولة كأس العالم للدراجات الاستعراضية “بي إم إكس من يو سي آي”، والذي يخلق جوًا عصريًا نابضاً بالأدرينالين، يجذب السياح من مختلف أنحاء العالم.
يظهر بوضوح تكامل النهجين عندما يبحث السياح عن الاستمتاع بكلتا التجارب في آن واحد. تعتمد الشركات المرتبطة بالسياحة بشكل كبير على العنصر التراثي كواحد من الأصول القيمة التي يمكن أن تجذب الزبائن من حول العالم.
دور العلامة التجارية في ترسيخ الهوية المحلية وجذب الإهتمام العالمي
تلعب العلامة التجارية دورًا أساسيًا في تعزيز الهوية المحلية وجذب اهتمام العالم بأسره. ويمثِّل التراث أداة قوية يمكن للشركات الاستفادة منها بشكل هائل للترويج لعلاماتها التجارية. يتباين الترابط بين التراث والعلامات التجارية بشكل مميز، حيث يتشابكان في إطار واحد، يُجسِّد تحديد الهوية وتفرُّد العلامة.
لا شك أن الشركات التي تدمج التراث في علاماتها التجارية تبرز جوهر هويتها الثقافية وقيمها الأساسية، فهكذا يتفاعل مفهومها مع تراث الشركة وثقافتها الموروثة، ويبنيان معًا رؤية متجانسة تجذب الاهتمام وتحرك المشاعر.
في محافظة العُلا، تتفهم الشركات الصغيرة والمتوسطة أهمية بناء علامات تجارية محلية قوية. لاحظنا ذلك مع “رشا الجود”، الفنانة الرائدة من العُلا، حيث استثمرت تراثها وثقافتها من خلال استخدام زخارف النقوش الحجرية التاريخية. أبدعت “رشا” أعمالًا فريدة تتجاوز الحدود وتنقل قيم التراث المحلي إلى العالم، ونجحت في دمج الثقافة المحلية مع هوية العلامة التجارية ببراعة، إذ تعكس أعمالها تفاصيل مستوحاة من الأدب العربي والنصوص الإسلامية والفولكلور المحلي. تقدم مجموعتها لمسة متميزة من العُلا، تُعزِّز قيم التراث من خلال تصاميمها، وتستثمر في الثقافة كوسيلة استثنائية لجذب قلوب العملاء وتعزيز عمليات البيع بأسلوب مشوّق.
الحفاظ على التراث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تقود الرموز الثقافية والفلسفات المستمدة من التراث رواد الأعمال إلى تحسين الهوية التجارية وصقلها. بالإضافة، يصبح سرد القصص أداة حيوية تمزج بشكل مباشر بين التراث المحلي ونماذج الأعمال.
لاحظت “فلاورد”، الشركة الناشئة المقرّة في دبي، قيم الكرم والضيافة العربية لتبني منصة توصيل الزهور والهدايا. يُظهر نموذج الأعمال الناجح لـ “فلاورد” التوسُّع الرائع للشركة على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحتى على المستوى العالمي. يتضح أيضًا نجاحها في بناء قاعدة عملاء ضخمة تجاوزت المليون مستخدم. ما كانت فكرة بسيطة أصبحت في وقت قصير منصة عالمية للتجارة الإلكترونية، تعكس التقاليد العربية بشكل جذاب وفريد.
كما نجحت منصة “كوفي” الإلكترونية والمخصصة لعشاق القهوة، في تحويل التقليد العربي المتمثل باجتماعات شرب القهوة إلى سوق رقمية تجمع الزوار من خلفيات ثقافية متعددة. واستطاعت الشركة بذلك الترويج لأحد الجوانب المهمة من نمط الحياة العربية أمام المستخدمين من مختلف أنحاء العالم. كما تعاونت “كوفي” مع “شركة القهوة السعودية” للارتقاء بقطاع القهوة في المملكة وتمكينه من المنافسة على المستوى الدولي، مما يعزز العروض المحلية وتميزها على مستوى المنطقة ككل.
في ظل تزايد أهمية السياحة المبنية على المواقع التراثية في المنطقة، يظهر أن الشركات تدرك اليوم أهمية الحفاظ على التراث الثقافي واستثماره. ويبقى التراث أحد الأصول القيّمة التي يمكن للشركات استثمارها لتحقيق مكانة رائدة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى تعزيز هوية علامتها التجارية وتوفير تجارب فريدة لا تنسى.